ما أصعب أن نبكي بلا دموع
على عتبة القلب تتحرك مشاعر فاقدة القدرة على تحديد الشعور.. السنة الأربعون من عمر الاحتلال ونحن نجرع دموع الشوق للأهل.. ونلتقط أنفاس اللهفة للوطن..يستبد بنا الحنين للاماكن..لمسقط الرأس..لمرتع الطفولة..
أخيرا أنكسر الحصار وسُمِحَ لنا بالعبور لزيارة الأرض والناس والأهل والاقارب..حمدا لله..
ها نحن على معبر القنيطرة.. أتينا نحمل معنا شوقا سقيناه دموع الامل.. نحمل قلبا متعبا بالهموم وقسوة الفراق..
عبرنا من ضفة الروح الى ضفتها الأخرى.. تسائلت!!
ترى أين سنحط رحال هذا الحلم الذي سكننا كل تلك الليالي المظلمات القاسيات؟؟
وكيف لي أن أعانق دمشق وأحيطها برمش العين؟
تذكرت الماغوط وهو يحطُّ همومه على كتف قاسيون لماذا لا أكون مثله؟؟
لماذا لا أنزل حزني على قمته.. وأفرد جناحي النبض ليحلق كالفراشة ويحطُّ
على خاصرة كل بيت ونافذة..على زهرة بيضاء لياسمينة تحتضن درابزين شرفة روح
لأستمد منهم فرحا وعزَّة ؟ نعم لماذا؟؟؟
الساعة العاشرة صباحا.. جموع غفيرة تحمل حقائبها تبكي.. تضحك.. ترنو لأخوة لم تراهم منذ 43 سنة..تمني النفس بلقائهم.. بعناقهم..
يا الاهي شيء مؤلم لا يمكن استيعاب الأمر..
شرطة الإحتلال تمضي التصاريح..
عبرنا.. تنفسنا الصعداء ها نحن على أرض القنيطرة المحررة..
كاميرات التلفزة.. مسؤولون..مصورون.. صحفيون..ترحيب..زغاريد.. شهقات بكاء..
قرصت أذني لأعلم إن كان هذا ليس حلما..
الباصات تنقلنا الى دمشق.. الى تلك المدينة الحبيبة..الى تلك الحاضرة على مر التاريخ..
عبق هواءها.. نسائمها منَّداة بعطر لا يشبه أي عطر آخر..
أنا شبه مخدَّرة .. تخونني لغة التعبير وأصمت..
أقول شيئا يخرج منفلتا من أعماق القلب..من اغوار النفس المشتاقة..
حالة غريبة انتباتني، رعشة إرتجاف في جميع أوصالي جعلتني مرتبكة..
وانا بين أهلي إشتدّ خفق قلبي وإعترت أطرافي برودةَ رغم حرارة الجو.. خفقات
قلوب ترفرف حولنا.. تنتظرنا.. إبتسامات تشع بالدفء والعاطفة تحيطنا..
الجميع صبايا.. شباب..مقعدين على كراسي متحركة.. عُجَّزْ لم يمنعهم المرض من الذهاب لاحتضان وطن..لضمة أهل..
خمسة أيام مرت كدقائق وكان عليناأن نغادر.. أن نعود.. مع أمل بعبور متواصل.. غادرنا نحمل هموم الشوق من جديد..
عدت للتساؤل!!!
عالم غريب ما نحن فيه..عالم يتقن فن صناعة الاوجاع.. وطحن الاحلام..
إجتزنا الجزء السوري الى جزءه الآخر.. وحقائب العائدين مكتظة بالتنهدات
والدموع..(جلست على المقعد في الباص) محتضنة صمت لغة غير قابل
للتفسير..وغصة حلق غير قابلة للبلع..
القيت رأسي للخلف.. أتحسس أصابعي التي لا زالت تحتضن أصابع الأهل والأخوة والأخوات..
ما أصعب أن تبكي بلا دموع وما أقسى أن تغادر دون أن يكون لديك حرية إختيار وقت الرجوع ..
قلبت صفحات المحبة ، لأقرأ سطور الحزن في لحظة الوداع فأخذني حنين الى حيث
تركت أحباء القلب.. أختي وأخي إبن عمي وإبنة عمي.. أولادهم
احفادهم..صديقاتي وجاراتي..
لحظات صامتة حزينة.. حزينة حتى نزف الروح يمزَّق الحشا..
الجميع صامت.. ربما حزن مماثل يغتال أعماقهم، ربما تناهيد ألم تمزق
أرواحهم.. وأنين حزن يثير براكين قهر وغضب وشوق وحنين ينسكب دموعا.. دموعا
على صمت مر..
وصلنا الى قرية جولانية.. ناس وضجيج الجميع أتوا لإستقبال ذويهم..
غريبة عناق وبكاء.. (الغيبة 5 أيام) أهو الشوق للقادمين أم تعبير عن تمنياتهم بأن يعطوا نفس الفرصة للعبور للوطن ورؤية الأهل؟؟
عانقت إبني وجدلت من آهات العمر مشاعراً تمزقت بين لقاء وفراق لأهل هنا وهناك..
وكان غروب وإختبئت الشمس وراء الأفق.. إختبأت الذكريات في الحنايا.. طائر
الحب رفرف بجناحيه على نبض المشتاقين وإرتحلت المشاعر لمركز الأمل
والضياء.. الى إبتسامة وطن.. وضمة أهل
ما راق لي.....