الرحمة المهداة قال
تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )الأنبياء 107 لولاه لنزل العذاب
بالأمة ولاستحققنا الخلود بالنار ولضعنا في مهاوي الرذيلة والفساد
والانحطاط ( وما كان الله معذبهم وأنت فيهو وما كان الله معذبهم وهم
يستغفرون ) فوجوده أمان لنا من النار ومن العذاب . قال ابن القيم في جلاء
الأفهام : إنّ عموم العالمين حصل لهم النفع برسالته :
أمّا أتباعه : فنالوا بها كرامة الدنيا والآخرة .
وأمّا
أعداؤه المحاربون له : فالذين عجّل قتلهم وموتهم خيرٌ لهم من حياتهم لأن
حياتهم زيادة في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة ، وهم قد كتب الله
عليهم الشقاء فتعجيل موتهم خير لهم من طول أعمارهم في الكفر .
وأمّا المعاهدون له : فعاشوا في الدنيا تحت ظلّه وعهده وذمته ، وهم أقل شرّاً بذلك العهد من المحاربين لهم .
وأمّا المنافقون : فحصل لهم بإظهار الإيمان حقن دمائهم وأموالهم وأهلهم واحترامها ، وجريان أحكام المسلمين عليهم .
وأمّا الأمم النائية عنه : فإن الله سبحانه وتعالى رفع برسالته العذاب العامّ عن أهل الأرض .
فأصاب كل العالمين النفع برسالته . انتهى
قال
أبو بكر بن طاهر : زين الله تعالى محمداً صلى الله عليه و سلم بزينة
الرحمة ، فكان كونه رحمة ، و جميع شمائله و صفاته رحمة على الخلق ، فمن
أصابه شيء من رحمته فهو الناجي في الدارين من كل مكروه ، و الواصل فيهما
إلى كل محبوب ، ألا ترى أن الله يقول : (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )،
فكانت حياته رحمة ، و مماته رحمة ، كما قال عليه السلام : حياتي خير لكم و
موتي خير لكم و كما قال عليه الصلاة و السلام : إذا أراد الله رحمة بأمة
قبض نبيها قبلها ، فجعله لها فرطاً و سلفاً . و قال السمرقندي : رحمة
للعالمين : يعني للجن و الإنس . و قيل : لجميع الخلق ، للمؤمن رحمة
بالهداية ، و رحمة للمنافق بالأمان من القتل ، ورحمة للكافر بتأخير العذاب .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : هو رحمة للمؤمنين وللكافرين ، إذ عوفوا مما
أصاب غيرهم من الأمم المكذبة .
وحكى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لجبريل عليه السلام : هل أصابك من هذه الرحمة شيء ؟ قال : نعم ، كنت أخشى
العاقبة فأمنت لثناء الله عز وجل علي بقوله : ذي قوة عند ذي العرش مكين *
مطاع ثم أمين [ سورة التكوير / 81 : الآية 20 ـ 21 ] .
و روي عن جعفر
بن محمد الصادق ـ في قوله تعالى : فسلام لك من أصحاب اليمين . أي بك ، إنما
وقعت سلامتهم من أجل كرامة محمد صلى الله عليه و سلم .
عن أبي بردة بن
أبي موسى ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنزل الله
علي أمانين لأمتي ، وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم
وهم يستغفرون فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار . و قال عليه السلام : أنا
أمان لأصحابي . قيل : من البدع . و قيل : من الاختلاف و الفتن . قال بعضهم :
الرسول صلى الله عليه و سلم هو الأمان الأعظم ما عاش ، و ما دامت سنته
باقية فهو باق ، فإذا أميتت سنته فانتظر البلاء و الفتن .