فئة خارج المجال

**سارة بوزيان** · الثلاثاء مارس 26, 2013 3:52 pm

كانت تقف في محطة الحافلات وقد تأخر الوقت في يوم خريفي بارد

كانت الريح تدافع ما تبقى من أوراق على الأشجار تحاول أن تسقطها أرضا

تهز الأغصان بعنف تصدر صوتا كأنه عويل ثكلى أظلم مستقبلها وباتت خائفة مما هو آت..

بالقرب منها ظهر أشخاص من العدم يحومون على المكان كأنهم ذئاب تترقب الفريسة

وجوههم مسودة كأنما أغشيت قطعا من الليل مظلما..

مظهرها الملتزم جعلهم يحذرون، ينظرون من بعيد من طرف خفي ويتحينون الفرصة السانحة..

صرت نفسها وأحكمت قبضتها على حقيبتها وتمنت أن تستفيق دون أن تشاهد الكابوس المرعب

الذي أوشك أن يبدأ..

من هناك ظهر شاب مختلف عن البقية، كان يتقدم نحوها يخطوات ثابتة وهو يبتسم..

التفت خلفها عساها تجد شخصا آخر على نفس الخط يبادله الابتسامة.. لم يكن غيرها..

لقد كان يقصدها هي..

- السلام عليكم ورحمة.. لا تخافي.. احملي حقيبتك واتبعيني..

لم يكن وجهه وجه معتد، ولا وجه لص، ولا وجه صاحب نوايا سيئة.. لكن الحذر مطلوب..

احتارت ماذا تفعل، تملكها الخوف منه.. حاولت أن تصده، أن لا ترد السلام.. أن تهرب..

لكن الذئاب البشرية بدأت تتحرك نحوهما..

- وعليكم السلام.. ماذا هناك؟ أرجوك دعني وشأني.. دعني أتوسل إليك..

نظر إليها بإشفاق وتبسم ضاحكا ثم قال:

- لا تخافي.. علينا أن نسرع ناحية موقف سيارات الأجرة الذي يقع من الناحية الأخرى للمحطة..

لن تدخل أي حافلة الآن.. وأنت ترين ألئك الأشرار الذين لا يزالون يتربصون بك..

بدا كلامه مقنعا، ورغم أن الحذر مطلوب وخاصة مع الغرباء، إلا أن الخيارات قد تتلاشى في موقف

كهذا ويصبح من الأمثل أن تُقرر بسرعة لمن ستسلم رقبتك..

- حسنا، حسبي الله ونعم الوكيل، الله بيني وبينك إن أردت بي سوء..

كالعادة كان يبتسم وهو يمشي بجانبها والذئاب المتربصة تبكي فوات فرصة بدت في الآخر كأنها لم تكن..

- إلى أين تريدين الذهاب؟؟

أجابت بسرعة:

- مدينة الأخضرية..

التزم الصمت حتى أوصلها إلى سيارة أجرة..

- السلام عليكم، أهلا الحاج رزقي.

- وعليكم السلام ورحمة الله، أهلا بني، كيف حالك؟

- الحمد لله يا عم، هل تقل هذه الفتاة إلى مدينة الأخضرية؟

نظر إليها الحاج رزقي بلطف مبتسما ثم قال:

- لا مشكل.. تفضلي يا ابنتي.

كانت الفتاة حائرة، هل تركب أم لا، دارت وساوس وتساؤلات في رأسها، ماذا لو كانا متفقان فيما بينهما

رغم أن وجه الحاج رزقي لا يدل على ذرة شر واحدة، إلا أن الحذر مطلوب، هل تأخذ سيارة أجرة أخرى؟

نظرت في أصحاب السيارات الأخرى، ثم في الحاج رزقي، لقد كان أحسنهم وجها، وأنظفهم هنداما، وأكثر احتراما من ناحية المظهر..

ركبت السيارة في المقاعد الخلفية ووضعت حقيبتها بجانبها..

- تفضل يا عمي رزقي ثمن التوصيلة..

تناول الحاج رزقة ورقة خمسمائة دينار من يد الفتى ثم رد له مئة دينار وهو يقول:

- تفضل هذه قهوتك يا بني..

انعقد لسانها، كأنه التصق، لم تستطع أن تقول شيئا، وجيبها الفارغ الذي ليس فيه غير 200 دينار..

طأطأت رأسها والحيرة التي ترتدي لباس الخوف تحيط بقلبها...

- لا شك أنه يخطط لشيء ما، لا يمكن أن يساعدني هكذا، لقد وقعت في فخ.. كم أنا ساذجة..

تلعب الدموع في عينيها برهة، ينكمش جسدها وهي تنتظر أن يزيل الحاج رزقي قناعه الوديع

ليظهر الوجه الشرير، الذي سيسلمها إلى العصابة التي يرأسها ذلك شاب..

كتبت في مخيلتها بدمائها الساخنة سيناريوهات عدة لليلتها هذه.. كانت الطريق طويلة لدرجة أن

الزمن شعر بها.. لم تصدق حينما سمعت صوت الحاج رزقي وهو يقول:

- يا ابنتي هذه هي مدينة الأخضرية، أين تسكنين؟؟

سالت دمعتان من عينيها، دمعتا فرحة وندم على الأفكار السيئة:

- أرجوك.. شكرا لك، سأنزل هنا.. سأكمل سيرا على الأقدام إلى منزلي..

التفت إليها بلطف وقال:

- لا يا ابنتي.. لن تنزلي إلا أمام منزلك، ولن أغادر حتى تتخطين عتبة بابه.. وإلا لن

أجد ما أقوله لياسين حينما أعود..

حلت عقدة لسانها لدرجة أنها صارت لا تميز ما تقول، كميت عاد إلى الحياة، لم تصدق عينيها

وهي ترشد الحاج رزقي إلى العمارة حيث تقطن عائلتها...

توقفت السيارة أخيرا عند باب العمارة..

- هل تسكنين هنا يا ابنتي؟؟

- نعم يا عم رزقي..

- انتظر هنا، سيأتيك أبي بالمبلغ الذي دفع ذلك الشاب.. أرجوك لا تتحرك..

- اسمعي يا ابنتي، لقد أخذت أجرتي من ياسين.. وانتهى الأمر..

ثم سكت برهة تأمل فيها وجهها ثم قال:

- ما اسمك يا ابنتي؟

ابتسمت ثم قالت:

- جميلة.. أرجوك انتظر هنا..

انطلقت مهرولة تتسابق خطواتها.. وما إن غابت عن ناظريه استدار الحاج رزقي بسيارته

وغادر المكان دون أن يلتفت..

خرج الوالد والأخ الأكبر.. لكن الساحة كانت خالية.. كانت خلفها تتجرع خيبة الأمل حيث لم

تحتفظ من هذه المغامرة إلا باسم سيظل يتردد في ذهنها..

- الحمد لله أنه أنقذك من بين مخالب الذئاب يا ابنتي جميلة..

كان رد والدها على ما قصته على العائلة وهم مجتمعون حول مائدة عشاء متأخر..

- ربيتك على الفضيلة، ودعوت الله أن يحميك من كل شر..

- شكرا يا أبي، أسأل الله أن يوفقني ويحميني لألا أخيب ظنك ما حييت..

في موقف سيارات الأجرة كان ياسين يجلس مع بعض السائقين يتبادلون أطراف الحديث

حينما ظهرت سيارة الحاج رزقي تعلن عن تمام المهمة وتبشر بالخير..

أقبل عليه مباشرة بعدما ركنها على جانب الرصيف..

- على سلامتك يا عمي رزقي.. هل..

فقاطعه الحاج رزقي قائلا وقد تهلل وجهه:

- لقد تم الأمر وسار كل شيء على ما يرام... اسمها جميلة..

وافترق الجميع وانتقلوا إلى خلواتهم حيث تبدي القلوب السر وما أخفت..

يتردد اسم جميلة في مكان، واسم ياسين في مكان آخر

وأحلام لا تستند إلى قاعدة ولا تحتكم إلى منطق

*********
غير حقيقية

الموضوع الأصلي : علاقة حب بين اسمين ..... ذكرى قلم // المصدر : منتديات أحلى حكاية // الكاتب: سارة بوزيان