حدث في رمضان..فتح بلاد السند..حصار عمورية
رغم ان شهر رمضان الكريم ارتبط بأجواء الإيمان والعبادة والروحانيات، فإن رمضان التاريخ كان كغيره من الشهور، جرت خلاله احداث وخطوب ووقائع. وحبلت ايامه بانتصارات وانكسارات، وسقطت فيه دول ونهضت دول، وأرخت أيامه لولادة ووفاة الكثير من الاعلام والشخصيات من الملوك، والأمراء والوزراء والقادة، إضافة إلى الأدباء، والمفكرين، والشعراء من النساء والرجال الذين حفظ التاريخ سيرهم واسهاماتهم ومواقفهم.
وفي عملنا هذا حاولنا جمع اكبر قدر ممكن من الاحداث والوقائع المهمة التي جرت في شهر رمضان عبر التاريخ، مرتبة حسب اليوم، وقد تجنبنا الإشارة إلى الشخصيات المغمورة غير المعروفة، كما تركنا الاحداث الهامشية غير المؤثرة رغم أنها جرت في رمضان، كما ان المدى الزمني لهذه السلسلة لا تتناول الاحداث المعاصرة.
قد تكون الفكرة ليست جديدة في جوهرها ومعناها، غير ان الجديد الذي سعينا اليه هو الشمولية في الاحاطة والعمق في التناول والتوسع في البحث. .. والى احداث هذا اليوم:
فتح بلاد السند
في 6 رمضان 92 هــ الموافق 14 مايو682 م انتصر محمد بن القاسم على جيوش الهند عند نهر السند وتم فتح بلاد السند، وكان ابتداء ذلك عندما. كتب الحجاج بن يوسف والي العراق رسالة الى الخليفة الوليد بن عبدالملك يطلب فيها الاذن بغزوالسند والهند، وأرسل الحجاج عبدالله بن نبهان السلمي لفتح الدبيل فاستشهد، ثم أرسل بديل بن طهفة البجلي بثلاثة آلاف فاستشهد، فحـزن الحجـاج حتى قال لمؤذنه: يا مؤذن اذكر اسم بديل كلما أقمت الأذان، لأتذكره وآخذ بثأره.
ثم عين الحجاج محمد بن القاسم الثقفي الذي كان عمره آنذاك سبعة عشر عاماً، فتحرك الى مدينة شـيراز فعسكر بظاهرها، وبعد استكمال الاستعدادات في شيراز انطلق محمد بن القاسم ومعه اثنا عشر ألف مقاتل الى الشرق حتى وصل «مكران»، ثم توجـه منها الى «فنزبور»، ثم الى «أرمائيـل»، ثم هجم المسلمون علي مدينة الدبيل فاقتحموا اسوارها فدخلها ابن القاسم، ثم توجه الى فتح «نيرون» وموقعها الآن (حيدرآباد) ــ وعبر مياه السند في ستة أيام، ثم سار الى حصن «سيوستان» المدينة المحصنة المرتفعة، فهرب حاكمها وفتحت المدينة أبوابها. ثم سار ابن القاسم نحو حصن «سيويس» وفتحه، ثم عاد الى نيرون، واتخذ قراره بعبـور نهر مهران للقاء داهر ملك السند، وبعد عبور الجيش سار ابن القاسم الى منطقة «جيور»، ونزل بجيشه على مقربة من نهر ددهاواه، والتحم الجيشان في معركة استمرت 7 ايام استخدمت فيها الفيلة، وكان عددها ستين فيلاً وكان داهر على أكبرها، وقد عملت في المسلمين الأفاعيل. ولكن الله نصر المسلمين،
تتبع المسلمون فلول جيش داهر المقتول حتى حصن راؤر ففتحوه، ثم فتح ابن القاسم مدينة «دهليله»، ثم توجه الى «برهمن اباذ» ففتحها، ثم واصل محمد بن القاسم جهاده ففتح العديد من المدن بعضها صلحاً وبعضها عنوة، وكان أهمها مدينة ملتان ــ وهي أعظم مدن السند الأعلى وأقوى حصونه - فامتنعت عليهم شهوراً، الى ان اقتحم المسلمون الأسوار من بعدها وفتحوا الملتان، واستمر ابن القاسم في مسيره حتى وصلت فتوحاته الى حدود كشمير، واستطاع أن يخضع السند لحكم الخلافة الاسلامية في مدة لم تتجاوز ثلاث سنين فقط.
ورغم ما قدمه محمد بن القاسم من اعمال جليلة فانه انتهي نهاية ماساوية، فبعد وفاة قريبه الحجاج، وتولي سليمان بن عبدالملك الخلافة. وكان يكره الحجاج، عاد محمد بن القاسم الى العراق، فأرسله والي العراق صالح بن عبدالرحمن مقيدا بالسلاسل الى سجن مدينة واسط (الكوت اليوم) بسبب عداوته للحجاج، وهناك عذبه شهورًا بشتى أنواع التعذيب حتى مات - في سنة 95 للهجرة. وعمره 23 سنة.
مولد إبراهيم بن المهدي
في السادس من رمضان سنة 224 هجرية ولد الخليفة المغني ابراهيم بن المهدي علم كبير من أعلام الدولة العباسية وأحد مشاهيرها. أبواسحق ابراهيم بن الخليفة العباسي المهدي، وهو ابن الخليفة محمد المهدي بن عبدالله أبي جعفر المنصور وأخو الخليفة هارون الرشيد، فكان ابراهيم بن المهدي ابناً لخليفة وأخاً لخليفة، أمه جارية سوداء ديلمية اسمها شَكْلة، فكان أسود عظيم الجثة، يسمى «التنين» ويقال له ابن شكلة. الخليفة العباسي المأمون مقيما في مرو (قرب طهران) وبدل ان بختار عباسيا لولاية عهده. اختار علي الرضا بن موسى الكاظم ولياً لعهده ولأمره جنده بخلع السواد ولبس الخضرة، وقد أثار هذا التصرف غضب بني العباس في بغداد فخلعوا طاعة المأمون وبايعوا عمه ابراهيم بن المهدي ولقبوه «المبارك».
لم يستقر الأمر لابراهيم طويلاً لانتشار التمرد وسط جيشه، وانهزامه بالقرب من واسط عام 202هـ/818، أمام جيش المأمون. وبعد هذه الهزيمة، في حين والاه بقية القواد سراً. ومع مسيرة المأمون الى بغداد، ووفاة علي الرضا في أثنائها، وتخلي أهل بغداد عن ابراهيم بن المهدي، آلت الحال الى اختفاء ابراهيم في آخر سنة 203هـ/819م. وظل مختبئاً عدة سنوات الى أن ظفر به المأمون وسجنه ستة أشهر ثم عفا عنه.
بويع له بها 202هـ، واستمرت له ما يناهز سنتين حتى أواخر سنة 203 هجرية.
كان ابراهيم شاعراً بامتياز. ولقد قرظه الكثير من الأدباء، فقال عنه ابن الجراح «انه شاعر محسن كثير الشعر وزاد على ذلك قوله: سمعت أبا القاسم عبدالله بن سليمان (ت288هـ) يقول: لم يكن في قريش ولا يكون أشعر منه ووصفه الأصفهاني بأنه شاعر وراوية للشعر، وقال عنه ابن عبد ربه (العقد الفريد) انه شاعر مغلق وأنه يصوغ فيجيد. للخليفة ابراهيم بن المهدي أربعة كتب هي: أدب ابراهيم، والطبيخ، والطب، والغناء.
انتصار عماد الدين زنكي
في السادس من شهر رمضان عام 532هـ الموافق 17 مايو1138م، حدث أول نصر للمسلمين على الصليبيين بقيادة الامير عماد الدين زنكي شمال الشام بحلب.
هو عماد الدين زنكي بن آق سنقر بن عبدالله آل ترغان ولد في سنة477هـ 1084م في أسرة تنتمي الى قبائل «الساب يو» التركمانية، وكان والده مقربا للسلاطين السلاجقة وتولي لهم ولاية حلب، في تلك الفترة كانت الحملات الصليبة على العالم الاسلامي على أشدها. تمكن الصليبيون من اقامة امارات وممالك لهم في بلد الشام وآسيا الصغري (تركيا الحالية) وقادة السلاجقة (الأتراك) المقاومة الاسلامية.
وقد برز القائد عماد الدين زنكي مؤسس الامارة الزنكية في الموصل وحلب. كحامل لواء المقاومة واستطاع ان يوحد القوة العربية الاسلامية في العراق وبلاد الشام ضد الغزو الصليبي. وكان أهم انتصاراته استيلاءه على إمارة الرها الصليبية في اقليم الجزيرة.
حصار عمورية
ومن حوادث اليوم السادس من رمضان حصار عمورية سنة 223هـ الموافق للاول من اغسطس 838 ميلادية، وهي من المعارك الشهيرة في التاريخ الاسلامي التي حصلت على شهرة كبيرة توقف عندها المؤرخون بشيء من التفصيل، وتناولها الشعراء والكتاب بالكثير من التبجيل، وخلد بطلها الخليفة العباسي المعتصم جراء هذه المعركة، حتى غدا اسمه مرادفا للنخوة العربية، فـي هـذه السنـة خـرج ملـك الـروم ثيوفيلوس الذي تسميه المصادر العربية (توفيـل فـي جمـع عظيـم فبلـغ زبطـرة (تركيا الحالية) وقتـل وسبـى ومثّـل بمن وقع في يده من المسلمين، ولمـا بلـغ المعتصـم ذلـك وأن امـرأة هاشميـة صاحـت وهـي فـي أيـدي الـروم وامعتصماه استعظمه ونهض من وقته وجمع العساكر وسأل المعتصم أي بلاد الروم أمنع وأحصن؟ فقيل: عمورية مدينة لم يعرض لها أحد من المسلمين منذ كان الاسلام، ولم يصلها قائد مسلم من قبل، وهي أشرف من القسطنطينية.
فخرج الى بلاد الروم، وتجهز جهازاً لم يتجهز مثله خليفة قبله من السلاح والعدد والآلة وحياض الأدم والبغال والروايا والقرب وآلة الحديد والنفط، ثم دخل بلاد الروم فأقام على «سلوقية» قريباً من البحر، ودبر النزول على أنقرة، وتعتبر سلوقية وانقرة من أعظم المدن. في بلاد الروم (بيزنطة) ورحل المعتصم وسار مع قواده في خطة محكمة، وعندما اقترب من انقرة، هرب أهلها وعظماؤها، ونزل بها المعتصم وقواده، فأقاموا بها ثم تابع المسير الى عمورية، وحاصرها وتحصن أهلها وراء أسوارها. الا أن المعتصم نصب المجانيق، وأمر بضرب السور فانفرج السور من موضع وسقط، وقد قيلت قصائد كثيرة في تلك الموقعة من كبار الشعراء، ويأتي في مقدمة ذلك، «بائية» أبي تمام الخالدة التي منها قوله:
فتْح الفتوح تعالى أن يحيط به
نظمٌ من الشعر أونثرٌ من الخُطَب.
فتْح تفتّح أبواب السماء له
وتبرز الأرض في أثوابها القُشُب
يا يومَ وقعة. عموريّة انصرفت
عنك المُنى حُفّلاً معسولة الحَلَب
أبقيت جد بني الاسلام في صعد
والمشركين ودار الشرك في صَبَب